مسؤولية المثقف


قامت صديقتي بإعارتي كتاب "مسؤولية المثقف" منذ فترة. شعرت بنوع من الإطراء أنها أحضرت لي الكتاب وظنّت أن علي أن أقرأه. بصراحة عنوانه يوحي لي بأنه من الكتب التي يمكن أن أقرأها في مراحل لاحقة، ففي حال كنت وجدته في معرض الكتاب على سبيل المثال فإني سأشعر أن شرائي ذلك الكتاب تصرفٌ فيه كِبر خفي (أو ربما جليّ) وشعور بالنخبوية .. حسناً، ربما تلك مغالاة في التفكير. بكل الأحوال قرأت الكتاب، فهو من صديقة عزيزة، وتأليف علي شريعتي، كما بدا لي كتاباً سريعاً لنحوله النسبي.


“مسؤولية المثقف” هو الكتاب الثاني الذي أقرأه لعلي شريعتي بعد “النباهة والاستحمار”. الكتاب كتاب فكري يتناول قضايا ذات صلة بعلم الاجتماع. كتب مقدمة طبعة دار الأمير أحد علماء الاجتماع في إيران وهو الدكتور غلام عباس توسلي. جانب توسلي التوفيق عندما أطال في قرابة ال ٤٠ صفحة في التقديم لشريعتي، في الوقت الذي كان متن الكتاب لا يتجاوز ال ١٥٠ صفحة. 

على الرغم من أن عدد صفحات الكتاب قليل نسبياً، إلا أن شريعتي تمكن من تقديم محتوى فكري أصيل ودسمٍ. أستطيع أن أتخيل كم كان هذا العمل ريادياً ومستحدثاً في الوقت الذي كتب فيه الكتاب. واللافت أنه لا يزال ذا صلة وثيقة بالحاضر، ولا أرى محتواه لاغياً أو غير صالح في المستقبل أيضاً، فهو يصلح أن يكون من الكلاسيكات. 

تدرج الكاتب في طرح أفكاره بشكل منطقي ومتسلسل، فقدم خلفية تاريخية، واستخدم المقارنة والمقاربة وتدريجياً بنى نظرياته الخاصة بالاستناد على ذلك. بدأ الكتاب بتناول ظهور طبقة المثقفين وكيفية نشأتها في أوروبا في القرن السابع عشر، والسمات التي كانت تتصف بها تلك الطبقة، ثم ناقش إمكانية نشأة طبقات موازية في أماكن مختلفة في العالم وفي أزمنة مختلفة في ظروف تتشابه أحياناً وتختلف في أحيانٍ أخرى. كما طرح موضوع مسؤولية المثقف، صلته بمجتمعه والدور الذي عليه أن يلعبه فيه. 
أحببت الجزء الأخير من الكتاب الذي خُصص لتوثيق محاضرة لشريعتي أجاب فيها على أسئلة الحاضرين. الأسئلة كانت جيدة وعميقة والإجابات كانت قوية كذلك.

في العادة أشارك الاقتباسات التي أعجبتني في الكتب التي أقرأها. وجدت نفسي مع كتاب “مسؤولية المثقف” معجبة باقتباسات طويلة لم أستطع تجزئتها أو اقتطاعها لكي لا أفسد الفكرة. التالى بعضة اقتباسات مما قرأت:


“ توجد اليوم نظرة عالمية ورابطة عالمية، فكيف يصح الحديث عن القومية والاعتقاد بها؟
إن هذه القومية التي أؤمن بها ويؤمن بها أمثالي ليست القومية التي بدأت نشاطها بمقاومة الحركة العالمية، وليست انغلاقاً على الذات وبُعداً عن العالم، لا تعني الابتعاد عن الذين يعانون آلامي أو يعتنقون نفس أفكاري لكنهم  ليسوا في إطار قوميتي. والقومية بمعناها الكلاسيكي عبارة عن: الاستناد على خصائص قومية وعرقية، لكن القومية التي أنادي بها لا تعني هذا، القومية التي أؤمن بها هي الاستناد على الشخصية الثقافية والروحية للذات والوطن، وهي مختلفة، ومن يستند على الخصائص العرقية والقومية ليس مسلماً، ولا يمكن أن يعتنق مسلم هذا المبدأ، هذه جاهلية وفاشية. لكن ذلك الذي يستند على ثقافته و روحانياته وشخصيته الاجتماعية إنما يقوم بعمل إنساني في مرحلة بشرية، ففي زمن ما أكون مرتبطاً بمجتمع خاص، فمن الناحية القومية أنا مرتبط بإيران، ومن الناحية الدينية أنا مرتبط بالإسلام وأملك هذا التاريخ الخاص والثقافة الخاصة. والآن نرى بأنني وأمثالي في كل المجتمعات من إسلامية وغير إسلامية قد أصبنا بنوعٍ من التمزّق والانفصال عن ثقافتنا القومية وعن شخصيتنا القومية، أي صرنا بشراً بلا شخصية، لأن شخصية الفرد عبارة عن الاسس التي يأخذها من تاريخه وثقافته ، هذه هي خلاصة الشخصية الاجتماعية، وعندما أصبح غريباً عن ثقافتي وديني وتاريخي فإنني أفقد الشخصية الإنسانية. وحين أكون بلا ثقافة أو شخصية قومية بالمعنى الذي قلته وبلا تاريخ وبلا دين، أي فرداً خالياً من المحتوى وبلا أساس روحي، فاقداً للتمييز والمنطق وقدرة الاختيار، وأشركت نفسي مباشرة في حركة عالمية، حركة فكر إنسانية، فمن الذي سوف يستفيد من هذه الشراكة في الفكر العالمي أو فكر المساواة الإنسانية؟ بالطبع هو الذي يملك كل شيء ، عندما يريد فقير لا رأسمال عنده ولا شخصية أن يمد يده المساواة والأخوة إلى إنسان يملك كل شيء، ويملك قدرة الاختيار والقوة والشخصية، فأي يد المساواة تكون هذه اليد؟ هي يد سيطرة من يملك على من لا يملك. “



“ سائق سيارة الأجرة في فرنسا الذي يعمل سبع ساعات ويضطجع سبع عشرة ساعة، وكل أموره مؤمنة ومضمونة، هل وصل إلى هذا الأمر من ساعات عمله؟ أم من نهب إفريقيا؟ مما يبعون البندورة في نفس باريس بخمسة قروش لكل كيلو لأنهم يجلبونها من إفريقيا. مما اكتروا غابات البن في تشاد مجاناً، أربع إفريقيين يعملون له البن هناك، وهو يدفع خمسين توماناً وبعد أيام يربح خمسة ملايين تومان، وبعدها يقول أن رب العمل كان منصفاً فقد أعطى لهم مالاً كثيراً. إنه لم يعطه من كيسه الخاص وإنما من يعطي المال المنهوب وليس من ماله.”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...